خطورة العين و الحسد على الأطفال

خطورة العين و الحسد على الأطفال وسبل الحماية منه في ضوء السنة النبوية

الحسد، ذلك الشعور القلبي الذي يتمنى صاحبه زوال نعمة من الآخرين، يمكن أن يترك أثرًا سيئًا على الأفراد بشكل عام، وعلى الأطفال بشكل خاص. يعاني الأطفال من العين و الحسد كثيرًا، فهم غالبًا ما يكونون محطّ الأنظار نظرًا لجمالهم وحيويتهم، وأحيانًا يتعرضون لعين حاسدة دون وعي منهم أو من أهاليهم، ولأنهم في هذه المرحلة لا يدركون أهمية الأدعية والتعوذات، فهم أكثر عرضة للتأثر بالحسد.

مفهوم الحسد وخطورته على الأطفال

الحسد هو شعور ينبع من رغبة شخص في الحصول على نعمة يمتلكها شخص آخر أو تمنّي زوالها عنه. وقد ثبت في الشريعة الإسلامية أن العين حق وأنها قد تصيب الإنسان، ويمكن أن يكون لها تأثير حقيقي وملموس على صحة الأطفال وحالتهم النفسية والجسدية. والحسد قد يأتي من البشر، وأحيانًا من الجن، وهو ما يشير إليه النبي صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث تدعو إلى تحصين الأطفال بالرقية.

كيفية تأثير الحسد على الأطفال

يتعرض الأطفال لأعراض مختلفة نتيجة للحسد، وتتباين هذه الأعراض بين الجسدية والنفسية:

  1. الأعراض الجسدية: قد تظهر على الطفل المصاب بالحسد علامات ضعف جسدي ونحول غير مبرر، كما ورد في الحديث الذي ذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم ضعفًا في أجسام أبناء أخي أسماء بنت عميس، حيث قال صلى الله عليه وسلم لها: “ما لي أرى أجسام بني أخي ضارعة؟” أي ضعيفة، فأجابت بأنه ليس بسبب الحاجة وإنما بسبب العين، فطلب منها صلى الله عليه وسلم أن ترقيهم.
  2. الأعراض النفسية: قد يعاني الأطفال من الخوف الشديد والقلق واضطرابات في النوم، والبكاء المستمر دون سبب واضح. في حديث آخر، سمع النبي صلى الله عليه وسلم صوت صبي يبكي، فسأل أهله: “ما لصبيكم هذا يبكي؟ فهلا استرقيتم له من العين”، وهذا يظهر أن العين قد تؤثر في مزاج الطفل وتسبب له اضطرابًا نفسيًا.
  3. تغير لون البشرة وظهور آثار غريبة: يظهر في بعض الحالات لون غير طبيعي على وجه الطفل أو جسده، كما ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم مع الجارية في بيت أم سلمة رضي الله عنها، حيث قال: “استرقوا لها، فإن بها نظرة”، وفسر العلماء هذا التغير بأنه سواد أو صفرة تظهر على الوجه بسبب العين.

طرق الوقاية من العين و الحسد في ضوء السنة النبوية

من المعروف أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحافظ على تحصين الحسن والحسين رضي الله عنهما بالأدعية والرقية، فكان يقول: “أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة”، وهي من الأدعية التي ورثناها عنه صلى الله عليه وسلم للتحصين من العين. هذه الكلمات القوية ذات التأثير العظيم في حماية الأطفال من كل أذى.

1. الرقية الشرعية

الرقية هي طريقة شرعية للعلاج من الحسد، وقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بها. يُنصح بقراءة بعض الآيات القرآنية مثل آية الكرسي والمعوذات (سورة الفلق، وسورة الناس، وسورة الإخلاص) على الأطفال لتحصينهم. ففي الحديث الشريف، كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر السيدة عائشة رضي الله عنها أن تسترقي للأطفال من العين.

2. الدعاء بكلمات الله التامة

الدعاء بعبارة “أعيذكم بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة”، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع الحسن والحسين، يعتبر من أنجح الوسائل في التحصين من الحسد. ويرى العلماء أن هذا الدعاء يشمل كل أنواع الأذى بما في ذلك الحسد والعين وأي شر آخر يمكن أن يصيب الطفل.

3. إخفاء محاسن الأطفال

كما جاء في النصوص، كان بعض الصحابة مثل عثمان رضي الله عنه ينصحون بتخفيف بعض من محاسن الأطفال لكي لا يلفتوا الأنظار. فعندما رأى صبيًا جميلًا قال “دسموا نونته لئلا تصيبه العين”، والمقصود بتسويد “النونة” هو وضع شيء على الذقن لعدم إظهار جمال الطفل كنوع من الوقاية.

4. التعوذات الشرعية يوميًا

تلاوة سورة الفاتحة والمعوذات على الطفل يوميًا يعد من وسائل الحماية. وقد يكون من الأفضل أن يقوم الأهل بتعليم الأطفال تعاويذ بسيطة يرددونها عند الشعور بالقلق، مثل “بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم”.

علامات تدل على إصابة الطفل بالعين و الحسد

ليس كل طفل يعاني من أعراض معينة يكون بالضرورة مصابًا بالحسد، لكن هناك علامات يمكن أن تشير إلى احتمال تعرضه للعَين:

  1. البكاء المستمر دون سبب: قد يبكي الطفل بلا سبب واضح وقد يُظهر علامات ضيق وانزعاج.
  2. فقدان الشهية: إذا لاحظ الوالدان أن الطفل أصبح يرفض الطعام بشكل مفاجئ، فقد يكون ذلك إشارة للحسد.
  3. التعب والإرهاق المستمر: يظهر الطفل كأنه يشعر بالتعب الدائم، وقد يفقد حيويته ونشاطه.
  4. ظهور علامات في الوجه أو الجسد: قد تظهر على الطفل علامات لون غير طبيعي مثل الصفرة أو السواد.

أثر العين و الحسد على الأسرة والوالدين

الحسد لا يؤثر فقط على الأطفال، بل يمتد أثره ليشمل الأسرة بأكملها، حيث قد يشعر الوالدان بالحزن والقلق الشديدين على طفلهم. هذا الشعور بالقلق قد يدفع الأهل للبحث عن علاج، وغالبًا ما يلجأون إلى الوسائل الشرعية للتحصين، كما حث النبي صلى الله عليه وسلم.

من هنا، يأتي دور الأهل في التعامل مع حالات الحسد بروح من الطمأنينة والثقة بالله، فالتوكل على الله والتحصين المستمر للأطفال وقراءة الرقية عليهم هو الحل الأمثل للتغلب على تأثير العين.

دور التربية في تعزيز وعي الأطفال بالحماية من العين و الحسد

في سياق بناء الوعي لدى الأطفال حول الحسد، يمكن للأهل أن يبدأوا بتعليمهم بعض الأدعية البسيطة التي تُحفظ بسهولة. ويجب توجيههم إلى الاستعاذة بالله عند حدوث أمر غير مريح. وعندما يكبر الطفل قليلًا، يمكن شرح مفاهيم الحسد والعين بطريقة تناسب سنهم، مع التركيز على أهمية اللجوء إلى الله في جميع الأحوال.

العين و الحسد بين الأسطورة والواقع

على الرغم من أن الحسد يُعَد من الأمور الغيبية التي تؤمن بها الشريعة، إلا أنه في العصر الحديث أصبح البعض يشكك في تأثيره. ومع ذلك، فإن بعض الدراسات تشير إلى أن الشعور بالحسد قد ينعكس بشكل سلبي على النفس البشرية، ويتجلى في سلوكيات مؤذية للطرف المحسود.

وفي هذا الصدد، نجد أن السنة النبوية قد أضافت توجيهات واضحة حول كيفية التعامل مع الحسد، سواء من خلال الأدعية أو بالابتعاد عن الإفراط في إظهار المحاسن أمام الآخرين.

الخاتمة

في النهاية، يبقى الحسد من الأمور الغيبية التي تتطلب الإيمان والتسليم بما جاء في القرآن والسنة. وتظل الأدعية والتحصينات المأثورة هي الدرع الذي يحمي الأطفال من هذا الأذى.

وعلى الوالدين أن يتحلوا بالصبر وأن يكونوا ملتزمين بتطبيق الرقية الشرعية بشكل منتظم، وأن يُعلموا أبناءهم كيفية التحصين والتعوذ، حتى ينشأوا في بيئة قائمة على الإيمان والثقة بالله. الحسد أمر حقيقي كما أشار النبي صلى الله عليه وسلم، لكننا لسنا بلا حماية، فقد زودنا الله بأدوات لنحصن بها أنفسنا وأطفالنا من أي أذى، وعلينا الالتزام بها لنعيش في طمأنينة وسلام.

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*
*